دراسة نص قانون يتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية و تسويتها و ممارسة حق الإضراب بمجلس الأمة
2023-04-24
عقدت مساء اليوم الإثنين 24 أفريل 2023، لجنة الصحة و الشؤون الاجتماعية و العمل و التضامن الوطني، بمجلس الأمة، جلسة عمل، برئاسة السيد حبيب دواقي رئيس اللجنة، بحضور السيد فيصل بن طالب وزير العمل و التشغيل و الضمان الاجتماعي، و السيدة بسمة عزوار وزيرة العلاقات مع البرلمان، خصصت لتقديم و دراسة نص قانون يتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية و تسويتها و ممارسة حق الإضراب.
في البداية أشار السيد الوزير ان نص القانون قيد الدراسة يلغي ويحل محل أحكام القانون رقم: 90-02 المؤرخ في 10 رجب عام1410، الموافق لـ 6 فبراير سنة 1990.
و اضاف أنه يأتي في إطار توجيهات السيد رئيس الجمهورية التي أسداها خلال اجتماعي مجلس الوزراء المنعقدين بتاريخ 3 جويلية و23 أكتوبر سنة2022، المتعلقة بإدراج مفهوم للإضراب في مجال العمل وتحديد شروطه وضوابطه القانونية لتفادي الإضرابات غير المهنية وغير القانونية.
و أشار أن هذا النص جاء لتعزيز آليات الحوار الاجتماعي بين الشركاء الاجتماعيين كوسيلة لتبني حلول مشتركة وتوافقية، تُسهم في تحسين العلاقات المهنية وإرساء الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لتفادي النزاعات الجماعية للعمل وحتى يكون اللجوء إلى الإضراب كملاذ أخير في ظل احترام الإجراءات القانونية من حيث الجوهر والشكل، أي بعد استنفاد جميع وسائل التسوية الودية من خلال الحوار والتشاور والمفاوضة الجماعية وآليات المصالحة والوساطة والتحكيم.
وهو يعد بذلك، تنزيلا لأحكام المادة 70 من دستور سنة 2020 التي تنص على "إن حق الإضراب معترف به، ويمارس في إطار القانون.
يمكن أن يمنع القانون هذا الحق أو يجعل حدودا لممارسته في ميادين الدفاع والأمن الوطني أو في جميع الخدمات أو الأنشطة العمومية ذات المصلحة الحيوية للأمة".
و اكد ان نص هذا القانون الذي تمت هيكلته في 05 أبواب و10 فصول و91 مادة، حدد بداية، مفهوم النزاع الجماعي للعمل، على أساس أنه يتعلق حصريا بالعلاقات الاجتماعية والمهنية في العمل والشروط العامة له.
وفي هذا الصدد، كرس هذا النص الحوار الاجتماعي كوسيلة حضارية سلمية، قبل بداية النزاع الجماعي للعمل وبعد نشوبه وخلال الاضراب.
حيث يتم بمقتضى الحوار تجاوز كل الخلافات وتقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع الجماعي من خلال دراسة الانشغالات الاجتماعية والمهنية وظروف العمل.
وعليه، ولتجسيد ذلك، ألزم نص القانون المستخدمين وممثلي العمال بتسوية نزاعاتهم بأنفسهم على المستوى الداخلي من خلال عقد اجتماعات دورية للحوار الاجتماعي وذلك كل سداسي على الأقل.
والغرض من تكييف إجراءات التسوية للنزاعات الجماعية للعمل هو مساعدة الأطراف على إيجاد أساس اتفاقي ودي لنزاعاتهم المهنية.
فنص القانون يشجع الشركاء الاجتماعيين، في إطار استقلاليتهم المعيارية، على تضمين البنود المتعلقة بإجراءات وآليات تسوية النزاعات الجماعية للعمل في الاتفاقيات والاتفاقات الجماعية للعمل، كخطوة أولى قبل اللجوء إلى المصالحة أمام مفتشية العمل من قبل الطرف الرّاغب في مواصلة تسوية النزاع الجماعي للعمل.
وفي حالة عدم وجود إجراءات إتفاقية داخلية، يخضع النزاع الجماعي إلى الإجراءات الالزامية للمصالحة والوساطة.
وهنا يجدر التوضيح الى أنه لا يمكن للعمال في القطاع الاقتصادي اللجوء إلى الإضراب بدون المرور الإجباري والمسبق على هذين الإجراءين الجوهريين ونعني بذلك المصالحة والوساطة.
في حين تبقى المصالحة إجبارية في المؤسسات والإدارات العمومية على درجتين، داخلية على مستوى الهيئة المستخدمة وخارجية، على مستوى المجلس المتساوي الأعضاء للوظيفة العمومية، بينما تُعد الوساطة إجراء اختياريا لما لهذا القطاع من خصوصية وذلك من أجل إرساء ثقافة وساطة أكثر فعالية لتعميم طرق الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها.
كما نص هذا النص على أنه في حالة عدم اتفاق الأطراف على تعيين الوسيط، يتم اختيار هذا الأخير من قبل السلطة الإدارية المختصة من قائمة الأشخاص المعينين وفقًا لسلطتهم المعنوية وخبرتهم وكفاءتهم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والتي يحددها الوزير المكلف بالعمل بالتشاور مع المنظمات النقابية للعمال والمستخدمين الأكثر تمثيلا.
وكمرحلة أخيرة لتسوية النزاع الجماعي للعمل، يمكن طرفي النزاع اللجوء إلى: .
- التحكيم الاختياري بموجب قانون النظام العام (قانون الاجراءات المدنية والإدارية المواد 1006 و1038)، .
- أما إذا تعلق الأمر بالمرافق الأساسية، فيتم إحالة النزاع الجماعي إلى التحكيم الالزامي أمام اللجنة الوطنية للتحكيم أو اللجنة الولائية للتحكيم.
وهو الأمر الذي يؤدي إلى إصدار حكم له سلطة قرارات العدالة، أي واجب النفاذ.
إذا كان الإضراب حقا من الحقوق الدستورية الأساسية يلجأ إليه العمال كآخر الوسائل لحل نزاعاتهم الجماعية مع مستخدميهم، ولكن من القواعد العامة أن كل حق يقابله واجب.
وبالتالي، فإنه ينبغي أن تُحدد وتُنظم قواعد هذا الحق بشكل سليم وواضح لكي تتم ممارسته وفقا لأصوله وللغايات التي نشأ من اجلها بهدف تجسيد النتائج الإيجابية التي يرجوها العمال من خلال تحقيق مطالبهم الإجتماعية والمهنية المشروعة دون أن ينجر عن استعمال هذا الحق، آثار سلبية على الهيئة المستخدمة وعلى المجتمع بشكل عام وعلى الاقتصاد الوطني بشكل خاص، لاسيما إذا أنحرف هذا الحق عن مقاصده الأساسية أو كان هنالك تعسفا في استعماله.
ورغم أن نص هذا القانون، أورد بدقة إجراءات الوقاية وتسوية النزاعات الجماعية للعمل، إلا أنه كان حاسما فيما يخص استعمال هذا الحق وهذا لا يعني، بأي حال من الأحوال، تضييقه، وإنما إيجاد توازن لحق اللجوء إلى الإضراب مع الحقوق الشرعية الأخرى ذات القيمة الدستورية، كاستمرارية المرافق العمومية (المادة 27 من الدستور)، وحرية المقاولة (المادة 61 من الدستور)، وكذلك حرية العمل (المادة 66 من الدستور).
وعلى هذا الأساس، أدخل نص هذا القانون تعريفاً للإضراب على أنه "توقف جماعي ومتفق عليه عن العمل بهدف تلبية مطالب اجتماعية ومهنية محضة، يقرره العمال الأجراء أو الأعوان العموميون وفقاً للأحكام والإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون وبما يتوافق مع متطلبات نشاط المؤسسة واستمرارية الخدمة العمومية، بعد استنفاد الإجراءات الإجبارية الودية لتسوية النزاع وطرق التسوية الأخرى المحتملة المنصوص عليها في الاتفاقيات أو الاتفاقات الجماعية للعمل" .
ومن ناحية اخرى، اعتبر النص غير قانونية، الإضرابات التي تشن على وجه الخصوص لأسباب سياسية، حيث أن استعمال الإضراب بهدف تحقيق أهداف سياسية معيّنة من شأنه أن يؤدّي إلى الإضرار بمصالح المجتمع بشكل عام وبمصالح العمال بشكل خاص.
هذا، ويعتبر نص القانون أيضا، أنها غير قانونية الإضرابات المفتوحة، أو التي تشنّ بطريقة فجائية أو متقطعة، أو بغرض تضامني أو لسبب ليس له صلة بالمصلحة المهنية للعمال.
ويكون الإضراب غير قانونيا أيضا، في حالة ما إذا شُن دون احترام للإجراءات القانونية و /أو الاتفاقية أو التي تكون مصحوبة بالعنف والاعتداء والتهديد والمناورة أو الاحتيال بهدف التعدي على حرية العمل أو إجبار العمال غير المضربين على الانضمام إلى الإضراب أو عندما يتم انتهاك اتفاقات المصالحة أو الوساطة أو قرارات تحكيمية أصبحت نافذة.
في مجال الإشعار بالإضراب، حدد النص مدته بـ 10 أيام عمل بدل من 8 أيام كحد أدنى ويمكن أن تصل هذه المدة إلى 15 يوم عمل، إذا تعلق الأمر بالمرافق الأساسية، وأدرج لأول مرة مضمون هذا الاشعار.
واحتراما لحرية التعبير واستقلالية العمال الأجراء في الموافقة على شنّ إضراب قانوني من عدمه، أكّد نص القانون على مبدأ التصويت عن طريق الاقتراع السري من قبل الأغلبية البسيطة للعمال المجتمعين في جمعية عامة بمشاركة ما لا يقل عن أكثر من نصف عدد عمال الهيئة المستخدمة المعنيين وبحضور مُحضر قضائي.
ونظم أيضا، شروط الحد الأدنى من الخدمة الإلزامي في ميادين النشاط التابعة للمرافق الأساسية التي سيٌحددها التنظيم.
وفي هذا المنوال، وللحفاظ على أمن الأشخاص والممتلكات وعلى النظام العام وقصد تلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع أو في الحالات الاستثنائية أو العاجلة، يمكن للسلطات العمومية اللجوء إلى إلزام بعض العمال المضربين، الذين يشغلون مناصب عمل حساسة وأساسية القيام بخدمة دنيا دون أن تقل نسبتها عن 30٪ من تعداد العمال المعنيين بالإضراب.
فضلا على ذلك، يحظر نص القانون ممارسة حق الإضراب على بعض العمال والأعوان في المرافق الأساسية التي تخص مجالات الدفاع والأمن الوطنيين، أو الذين يؤدون وظائف السلطة باسم الدولة، أو أولئك الذين يشغلون وظائف في قطاعات استراتيجية وحساسة من حيث السيادة أو للحفاظ على المصالح الأساسية ذات الأهمية الحيوية للأمة.
وهي الأنشطة التي قد يؤدي توقفها إلى تعريض حياة المواطن أو سلامته أو صحته للخطر أو من المحتمل أن يؤدي الإضراب، من خلال آثاره، إلى أزمة خطيرة.
وفيما يتصل بالأحكام الجزائية، أدرج المشروع عقوبات تخص لاسيما عدم احترام آجال الاجتماعات الدورية الداخلية وخرق إجراءات تسوية النزاعات الجماعية للعمل وعدم تنفيذ اتفاقات المصالحة والوساطة وقرارات التحكيم، أو في حالة الغياب عن اجتماعات المصالحة والوساطة والتحكيم.
وفي مجال الإضراب، تم إدراج أحكام جزائية في حالة معاينة التوقف الجماعي والمتفق عليه عن العمل المخالف للأحكام القانونية أو في حالة إتلاف أثناء الإضراب، لأي أغراض أو آلات أو مواد أو سلع أو أجهزة أو أدوات تابعة للهيئة المستخدمة أو إذا كان مصحوبا بالعنف أو الاعتداء يستهدف عرقلة حرية العمل أو في حالة عدم تطبيق الحد الأدنى من الخدمة أو قرار التسخير.
و في الختام ذكر ان نص هذا القانون الذي صادق عليه المجلس الشعبي الوطني، عرف تعديلات شكلية ماعدا ما تعلق بأحكام المادة 48 من مشروع القانون التي عرفت تعديلا جوهريا يتمثل في تخفيض النصاب المتعلق بالموافقة على اللجوء إلى الإضراب من الأغلبية المطلقة إلى الأغلبية البسيطة من العمال الحاضرين في الجمعية العامة.
كما تم تخفيض النصاب المتعلق بصحة انعقاد المعية العامة من 2/3 العمال إلى أكثر من نصف عدد العمال المعنيين على الأقل الحاضرين في الجمعية العامة.
وبالنسبة للنصوص التطبيقية، أؤكد لكم أن قطاعنا الوزاري انتهى من إعدادها وسيتم إحالتها على الأمانة العامة للحكومة بمجرد نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية.
ويتعلق الأمر بـ: .
- الاجتماعات الدورية في الهيئات والإدارات العمومية،.
- تشكيلة ومهام أعضاء المجلس المتساوي الأعضاء للوظيفة العمومية وتنظيمه وسيره، .
- مهام وكيفيات تعيين الوسطاء وأتعابهم،.
- تشكيلة اللجنة الوطنية واللجان الولائية للتحكيم، تنظيمهم وتسييرهم وكيفيات تعيين أعضائهم،.
- قائمة ميادين الأنشطة ومناصب العمل التي تتطلب حد أدني من الخدمة إجباري، وقائمة المستخدمين والأعوان الممنوعين من اللجوء إلى الإضراب.
وفي الأخير، عبر السيد الوزير عن اقتناعه العميق بأن الحوار الاجتماعي والوسائل الودية والسلمية لفظ النزاعات الجماعية للعمل تظل الطرق المثلى لتعزيز سيادة القانون وضمان احترام الحقوق والحريات الأساسية في العمل.
و بعد ذلك فتح المجال لتدخلات السيدات و السادة اعضاء اللجنة لتقديم تساؤلاتهم التي اجاب عليها السيد الوزير.
2024-07-11 إقرأ المزيد ...